بعيدا عن التطورات السياسية والاقتصادية سواء كانت خارجية أو داخلية لأن السياسة والاقتصاد «لهما أهلهما»، فإن سطورنا اليوم تنبع كلماتها من المجتمع الذي أصبحت غالبيته تلهث وراء الإشاعات والتحليلات «التويترية» التي أصبحت على ما أعتقد السياسة الجديدة من البعض، ليشغل عقول الكثير من مجتمعاتنا بها لكي لا يلتفت نحو قضايا أخرى ملحة ومهمة تخص الفرد قبل المجتمع.
الكل ينادي بتطبيق القانون ومعاقبة من قام باختراقه وتجاوزه، ولكن هل تلك هي الحقيقة؟
عندما نقوم بتتبع ما يحدث في الصحة التي انتهت بنا إلى عجز في بنك الدم، ويأتي لنا مسؤولون يدلون بتصريحات غير مقنعة للكثير، نسأل من بيدهم زمام الأمور: أيعقل أن يصرح أحد مسؤولي الصحة بأن ما حدث من عجز في بنك الدم «شيء عادي» وأن بعض أسباب العجز ترتبط بشهر رمضان؟ رفقا بنا وعدم الاستخفاف بعقول المجتمع، أين القانون ومعاقبة من تسبب في هذا العجز؟ أم تنتظرون الكارثة لكي تطالبوا بالعقاب لمن تسبب في هذا؟ أم نبحث وراء من هي «واسطتهم».
وإذا تنقلنا بين أروقة الصحة التي لديها بعض المشاكل ليس في الدم فقط بل في ميادين كثيرة يصعب تلخيصها ووضعها في مقال، نجد أن ما يحمله ملف الصحة هو معلوم لمن يمتلك القرار والعقاب ولكن للأسف محلك سر، الغريب أن ما يحدث في الصحة نجد صورته في أغلبية الوزارات، فأين صاحب القرار والعقاب بما حدث للشهادات المزورة ومن ثم الجامعات؟ بل أين العقاب في لجنة اختيار المحققين في الداخلية؟ كل هذا من أجل «الواسطة».
ننتقل من القرارات الجماعية للقرارات الفردية التي قمنا بالاطلاع على البعض منها وتشمل الكثير من وزارات الدولة ووجدنا مسؤولين خلال السنتين الماضيتين تملكوا الكراسي والمناصب وفق قانون «الواسطة»، وليس وفق التدرج الوظيفي والعلمي أيضا بل المضحك أننا نرى البعض منهم تجاوز العمر القانوني للعمل، وبرغم من هذا منح له المنصب مع العلم أن اللوائح والقوانين المنصوصة من الخدمة المدنية ترفض أن تكتب تلك القرارات، أين الخدمة المدنية من هذا؟ محلك سر، أما قانون «الواسطة» فأقوى.
ومن الخدمة المدنية ننتقل لديوان المحاسبة وهو الجهة الرقابية للدولة، أين أنتم من الفساد الموجود ببعض الوزارات؟ كم من موظف بمختلف الدرجات الإدارية والقيادية يتقاضى الراتب دون عمل منسوب إليه؟ المضحك أن البعض منهم يذهب لمسؤولي الوزارة ويقدم الشكوى مطالبا بالعمل، ولكن شكواه تقع تحت مبدأ «محلك سر»، لأنه عندما قدم الشكوى لم توقع من «واسطة».
اليوم لن أختم مقالتي بمسك الختام لأن ما أطرحه من قضايا لا يمت بصلة إلى المسك، بل هي قضايا فساد قد لا يربطها خيط درامي موحد، ولكن تيمة واحدة التي تربط قضايانا وهي «الفساد» الذي أصبحنا نراه ونسمع به، بل في بعض الأوقات يقع علينا، وللأسف إذا تكلمنا يصبح «التجميد» هو مصيرنا، إلى متى مغردونا لا يغردون بقضايا مجتمعنا؟ إلى متى ونحن نلهث وراء الواسطة؟ إلى متى القضاء يكون هو واجهتنا للبحث عن القانون المنصف؟ متى يطبق القانون في دوائرنا الحكومية؟ والله من وراء القصد.
Nermin-alhoti@hotmail.com