هجرت بعض أحبتي طوعا لأنني
رأيت قلوبهــم تهوى فراقي..
نعــم أشتـاق، ولكــن وضعـت
كرامتــي فــوق اشتياقـي...
أرغـب في وصلهم دوما ولكـن
طريـق الــذل لا تهـواه ساقي
هذا ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي فيما يخص كرامة الإنسان، وإذا قمنا بتحليل الأبيات نجد أن أمير الشعراء في كلماته لم يخص فقط الحبيب والمحبوب بل صفة الجمع التي وزنت بها أبيات الشعر جعلت المفهوم الأدبي لا يخص علاقة فردية بل شملت علاقات إنسانية كثيرة، وبعيدا عن التحليلات الأدبية واللغوية سنتوقف عند قضيتنا وهي «كرامة الإنسان».
تلك القيمة التي أصبح الأغلبية يفتقدها في مجتمعاتنا قد تتعدد الأسباب التي تجعل الإنسان يرضخ لأشياء تهين كرامته، ومن هنا وهناك نجد أن الكرامة هي أساس الحرية والعدالة والمساواة، والسؤال هنا الذي يقوم على معادلة حسابية يصعب وجود نتيجة لها وهي: كيف تنادي أغلبية المجتمعات بالحرية والعدالة والمساواة وأغلبية أفرادهم تناسوا قيمة الكرامة؟!
من هنا تبدأ كلماتنا والتي تقوم اليوم على شعارات تردد على مدار اليوم وهي: لا قمع الحريات، نطالب بالعدالة الإنسانية، أين المساواة؟ تلك بعض الشعارات أصبحت خطوطا إعلامية مثبتة لكثير من المجتمعات والجمعيات وبعيدا عن السماء والمسميات، إلا أننا عندما نتوقف أمام من يقوم بترديدها قد نجد الأقلية هي من تحافظ إلى الآن على كرامتها «إذا خليت خربت» ولكن الأغلبية نجدهم سعوا إلى الذل من أجل النهوض إلى القمم.
قد تظن الأغلبية بأنه عندما يصل إلى القمة دون احتفاظه بكرامته بأنه امتلك القيمة والقوة وهذا غير صحيح «لأن ما بني على باطل فهو باطل» فقمته هشه سرعان ما تختفي ولا يصبح لها وجود وهذا ما أصبحنا نراه في مجتمعاتنا العربية، فكم من بني البشر باعوا قيمهم من أجل الوصول إلى القمة وعند الوصول لا نسمع إلا بزوالهم، وما تبقى منهم لا شيء يذكر إلا أنها أصبحت دائرة مغلقة لكل من يريد أن يدخلها شريطة التنازل عن كرامته، وها نحن نسمع في كل يوم عن بطل جديد سعى إلى الذل شوقا من أجل أناس لا يريدونه، فقط يريد الوصول إلى القمة فتأخذ به إلى القاع ويبقى مكبلا مذلولا فاقدا لكل ما انعم الله به عليه من قيم وأهمها «كرامتي».
* مسك الختام: من أشعار المتنبي
وإذا لـم يكــن من الموت بــد
فمن العجـز أن تكــون جبانـا
Nermin-alhoti@hotmail.com