د. نرمين الحوطي

profile picture

Nermin-alhoti@hotmail.com

دموعكم غالية

بدأت قصتي عندما كنت أراجع أحد المستشفيات الحكومية «ما فيني إلا العافية» كنت أشتكي من بعض آلام الظهر وأثناء انتظاري للدخول إلى الطبيب كانت تجلس بجانبي امرأة في أواخر الأربعينيات وبجانبها شاب في أوائل العشرينيات، وبرغم من حزن المرأة ودموعها التي تنهار على وجنتيها إلا أنها كانت تذكر الله على الدوم وابنها كان يقبل يدها ويقول لها «إن شاء الله ما كو إلا العافية يا يمه» وبتعاطفي لحالتها قمت بسؤالها: عسى ما شر؟ وبصوت حزين أجابتني: ولدي العود مسوي حادث.

وهنا قلت لها: تفاءلي بالخير وإن شاء الله يقوم بالسلامة، وأثناء حديثي معها خرج رجل في أواخر الخمسينيات ذو وجه شاحب تمتلئ عينيه بالدموع، ولكن الرجولة تقيد ذلك الحزن وإذا به يقترب من زوجته ويقول لها: لا تحاتين إن شاء الله خير الطبيب طمني، أنهى كلماته مع زوجته وذهب بعيدا عنهم واختفى عن النظر وهنا أصابتني الدهشة وقمت بسؤال نفسي: أين ذهب؟ وكيف يترك ابنه وزوجته هكذا؟ وأثناء التفكير أتى دوري للدخول على الطبيب وأثناء ذهابي للغرفة للكشف وجدت الأب يختفي بين الحوائط جالسا على الأرض يبكي بمفرده لكي لا يشاهده أحد.

لم يقدر الأب بأن يتحمل ما ألم بفلذة كبده؟ وتناسى القوة والصرامة التي قد يعتقد البعض أنها من صفات الأبوة وأنهم لا يمتلكون ما يسمى العاطفة وبعد انتهائي من الكشف وخروجي من الغرفة وجدت الأب مازال تنهمر الدموع من عينيه بل وجدته يتحدث بصوت مسموع في هاتفه ويتكلم مع أحد الشخصيات للاهتمام بولده وأثناء توقفي ومشاهدتي للمشهد وقعت عينه بعيني، فحاول أن يمسح دموعه وإذا بي أقترب منه وأقول له: «دموعك غالية وبإذن الله سوف يقوم بالسلامة لك».

وأثناء قيادتي متجهة إلى المنزل أخذت ذاكرتي تستذكر ما رأته في المستشفى فوجدت أن الأم بالفعل هي التي تسهر وتتعب وتحمل وتربي أطفالها وعندما يحدث لهم شيء من الممكن أن دموعها تجعلنا نتعاطف ولو بعض الشيء معها، ولكن الأب يبقى هو عمود الأسرة وعندما تدمع عينيه تكون كالخنجر في قلب من يشاهد تلك الدموع، ويبقى السؤال: هل دمعة الرجل أصدق من دموع المرأة؟ في كلتا الحالتين تبقى دموعكم غالية.

مسك الختام: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالولدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) أسراء: 23.

Nermin-alhoti@hotmail.com

التعليق

x

إقرأ أيضا