بقلم: د. نرمين الحوطي
«مكتبة اسكندرية الملكية».. ذلك الاسم هو ما كانوا يطلقونه عليها في السابق لما كانت تحتويه من كتب ومخطوطات تجاوز عددها أكثر من نصف مليون، فكانت مركزا للعلم وعلماء منطقة البحر المتوسط، تلك المنارة التي إلى الآن تتضارب الأقوال والإثباتات حول من قام ببنائها فتارة تنسب للإسكندر الأكبر وتارة أخرى ينسب تشييدها الى بطليموس الثاني، وبعيدا عمن قام ببنائها وتدميرها وتضارب الأقوال أيضا فيمن قام بإحراقها إلا أن التاريخ إلى يومنا هذا يذكر مكتبة الاسكندرية القديمة بأنها كانت منارة العلم والعلماء ونقطة جدال بين المؤرخين إلى أن أتى يوم 16/10/2002 وتم إعادة افتتاح مكتبة الاسكندرية بحلتها الجديدة من حيث الشكل، أما المضمون العلمي فلم يتغير بأن تكون منارة العلم والعلماء.
إحياء منارة العلم في منطقة البحر المتوسط هذا الصرح الثقافي الذي أعيد إحياؤه في عام 2002 كان نتاجا مشترك بين جمهورية مصر العربية والأمم المتحدة حيث جاهد مشرفو المشروع بشراء واقتناء الكثير من الكتب والمخطوطات القديمة والنادرة لوضعها في المكتبة وإعطائها صفتها وحلتها القديمة، بجانب هذا أضافوا إليها روح العصر من خلال إنشاء مركز جديد بها وهو أرشيف الإنترنت، بل نجد أن من قام بتخطيط المكتبة الجديدة حاول جاهدا أن ينوع من رواد المكتبة لتصبح منارة للجميع من خلال ما تحتويه من أجزاء جديدة متخصصة ومتنوعة فنجد جزءا يخص الطفل وجزءا آخر اهتم بالنشء وتطلعاته وأهم جزء الذي أثرى عليها هو جزء الأديب طه الحسين الذي يحتوي على الكثير من الكتب الخاصة التي كتبت بلغة برايل بجانب هذا المكتبة السمعية والبصرية كما احتوت الحلة الجديدة على جزأين تميزا بعبق الماضي وهما مكتبة المكيروفيلمية ومكتبة الكتب النادرة وكلتاهما للاطلاع على درر التاريخ في العلم والثقافة، تلك هي منارة البحر المتوسط التي ارتدت حلتها الجديدة بكل ما يحتويه الماضي والحاضر إلى أن أصبحت ليست فقط للبحر المتوسط بل أصبحت ثاني مركز للكتب الفرانكفونية في العالم لما احتوته من كتب باللغة الفرنسية التي تجاوز عددها أكثر من نصف مليون، تلك هي منارة الاسكندرية التي احتضنت الكثير أيضا من التحف والآثار لتكون عروسا للعلوم والثقافة.
واليوم نشاهد من يقوم بإحراقها من جديد من خلال برنامج غنائي لا يمت الى الثقافة والعلوم بصلة، فقط يحتوي بعض من يدعون بأنهم هواة للغناء وهم بالفعل هواة للشهرة استغلوا منارة الثقافة لتكون مكانا مستأجرا لبرنامجهم غير الثقافي، في السابق تضاربت أقوال المؤرخين فيمن قام بحريق مكتبة الاسكندرية، واليوم نشاهد من يقوم بتدميرها من أجل حفنة جنيهات من إحدى الشركات الخاصة المنتجة لذلك البرنامج الذي يجمع الكثير من الأموال عن طرق غير مشروعة من خلال التصويت من المشاهدين ذلك هو التغريب الفكري والثقافي، فأين أهل الثقافة والعلم من الجناة؟!
كلمة وما تنرد: يقول أرسطو «من لم ينفعه العلم لم يأمن ضرر الجهل».
nermin-alhoti@hotmail.com