من الممكن أن يدمع الإنسان لفترة وجيزة عندما يفارق شخصا يعزه، وتقوم الأيام بعد ذلك بتطبيب الجروح بالنسيان، إلا دمعة واحدة لا يقدر الزمن ولا النسيان على أن يمحوها من ذاكرة الإنسان، تلك الدمعة هي دمعة «فراق الأم».
من الممكن أن تدمع العين بالفرح قبل الحزن ولكن دمعة »فراق الأم» تجمع بين هذا وذاك، نعم قد تدمع العين بالفرح عندما يتذكر الإنسان مواقف مضحكة وذكريات جميلة كانت تجمعه مع والدته وقد تدمع العين في الوقت نفسه بالحزن عندما يشعر بأن تلك الذكريات والأيام وصاحبها لن يعود مرة أخرى وتلك هي المفارقة، كما لو أننا نعيش مسرحية نحن نقوم بتصنيع نسيجها من الذكريات التي تكمن في قلب الإنسان بمفرده، وممثلوها كل من الذكريات والدموع والإنسان ويقوم بالصراع على تلك الوتيرة ولا يخرج منها بل نجد أن تلك المشاعر لا يقدر الإنسان على إنقاصها أو تزويدها فهي تاريخ مثبت، أبطالها ركائز أساسية لا نقدر على أن نخلع عنصرا من عناصرها، دائرة يعيش بها الإنسان كما لو أنه يحيا إلى الآن في مشيمتهم. نعم، تلك هي مشيئة الله بأن تحمل الأم بمولودها وتكون هي العنصر الأساسي في تلك المسرحية وتتألم وتدمع من أجل ولادة مولودها دموعا تشمل الفرحة والألم، فالألم يأتي من الولادة والفرحة تأتي عندما ترى فلذة كبدها بين أحضانها، ومن ثم تقوم على تربيته ويحملان معا الذكريات ومن ثم يأخذ المولود دور البطل بفقدان والدته ويصبح الألم له مكتوبا مع ذكرياته التي قام بكتابتها كل منهما عبر السنين حيث نسجاذكرياتهما بعضهما مع بعض، فكيف تكون تلك «دمعة فراق»؟!
كلمة وما تنرد: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين) (سورة الأحقاف: 15).
atach_hoti@hotmail.com