نعم أصبحنا نحتاج إلى الضحكة مع الحكمة في هذه الآونة، أصبحنا نبحث عن نوادر وحكايات جحا لنضحك وأيضا نعرف كيف تأتي الحكمة، لذا سنتطرق معكم ولو بعض الشيء عن جحا؟ ومن هو؟ وأي زمان كان يعيش فيه؟ وكيف وصلت إلينا نوادره وحكاياته؟
جحا هو شخصية فكاهية انتشرت في كثير من الثقافات القديمة ونسبت إلى شخصيات عديدة عاشت في عصور ومجتمعات مختلفة، فشخصية جحا اختلف الرواة والمؤرخون في نسبه، فالبعض نسبه إلى أبي الغصن دجين الفزاري الذي عاش في عصر الدولة الأموية، والبعض الآخر نسبه إلى الشيخ نصرالدين خوجة الرومي الذي عاصر الحكم المغولي لبلاد الأناضول والبعض أرجع نسبه إلى العرب، ومن هذا وذاك تجد أن كل الشعوب والأمم صممت لها جحا خاصا بها يتلاءم مع طبيعة تلك الأمة وظروف حياتها وطبيعتها الاجتماعية إلا نحن لم نجد لنا جحا؟
قد يسأل البعض عن صفات جحا ومميزاته التي لا تتوافر في شخص يعيش في وقتنا الراهن.. جحا شخصية من الشعب وينتمي إلى الشعب أيضا، غير متسلق ولا يطلب ما يزيد على حاجته، قد يصوره بعض المؤرخين بالجنون والبعض الآخر ذكروا في تدويناتهم بأنه رجل بكامل عقله ووعيه وأنه يتحامق ويدعي الغفلة، ليستطيع عرض آرائه النقدية والسخرية على الأوضاع التي كانت سائدة في ذلك الوقت ومن تلك الآراء لابد ألا نتغافل عن شخصية كانت تناصف جحا شهرته وهو «الحمار» الذي كان يشاركه جميع قصصه ونوادره.
إذا دققنا في صفات جحا فسنجدها متواجدة في بعض أفراد مجتمعنا! فهو يعيش بيننا ولكن بعد العولمة والتطوير، حيث لم يعد مرآة عاكسة للمجتمع، ولم يظل لسانا يتحدث بلسعاته الجميلة المحكمة عن الإسقاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وغير ذلك من أمور الحياة، بل أصبح جحا يمتلك «نيو لوك» وهو أنا ومن بعدي الطوفان، كما أنه صار يسخر فكاهته وحكمته لمن يخدمه ويجعله في القمة، ومنه ذهبت الضحكة وذهبت الحكمة ومات الحمار لأن جحا لم يصبح بحاجه له ولا إلينا.
كلمة وما تنرد: جلس جحا في يوم يحاكي ويسامر الناس فقال لهم: هل تعلمون ما سوف أقص عليكم اليوم؟ فأجابوه: كلا لا نعلم؟. قال: إذا كنتم لا تعلمون فما الفائدة من التكلم؟ وذهب وأتى في اليوم التالي وجلس يسامر الناس وقام بالسؤال عليهم نفس السؤال: هل تعلمون ما سوف أقص عليكم اليوم؟ فأجابوه: نعم نعلم، فقال: ما دمتم تعلمون ما سأقص عليكم به فما الفائدة من الكلام، فاحتار السامعون واتفقوا على أن اليوم التالي إذا قام بالسؤال يقوم البعض بالرد بلا والبعض الآخر بنعم لتكون الإجابة متناقضة وبالفعل أتى جحا وقام بالسؤال عليهم مرة أخرى واختلفت الإجابة وفق الاتفاق بينهم فما كانت الإجابة من جحا: حسنا جدا من يعلم عليه أن يعلم من لا يعلم. والله من وراء القصد.
atach_hoti@hotmail.com