لا شك أن مفهوم التلقي يعد من المفاهيم غير الثابتة، فليست هناك آلية محددة للتأثير على شخصية المتلقي وليس هناك هدف واحد يمكن جعله هدفا للمتلقي، فالاشكالية تكمن في تجربة المتلقي نفسه بمعنى أوضح ان يحدد المتلقي تجربته من خلال المعادلات الحسية الحركية المكتسبة لبعض المفاهيم العلمية أو الأدبية أو ما شابه ذلك من مفاهيم. فعلى سبيل المثال لا للحصر نجد المتلقي عندما يقف متأملا لوحات فنية لمشاهير عصر النهضة فانه يكتسب معلومات وتتجسد رموز معينة في ذهنه لتصبح لديه حصيلة فنية وفكرية لمبدعي عصر النهضة، وكذلك الحال في مجالات الأدب والسياسة والاقتصاد وغيرها من العلوم، اذن نستطيع تحديد مفهوم المتلقي بأنه «كم المعلومات المكتسبة لدى المتلقي ومنه يستطيع أن يحدد رؤيته وفق المعلومات المكتسبة لديه».
هكذا كان مفهوم المتلقي في السابق، أما اليوم فالمتلقي أصبح أمام كم هائل من المعلومات التي تجعله لا يقدر على متابعة كل شيء.
نـــعم أصــــبح الإدراك للمعلومات المتلقاة لدى الإنسان في تلـــــك الآونة عبئا كبيرا في أن يستقبلها العقل ويقوم باستيعابها، وهذا الشيء لا يعني أن التقصير من المتلقي بل التقصير في المعلومة التي أصبحت غير واضحة أو دقيقة وغير مفهومة. نعم.. عدم الوضوح للمتلقي فيما يتلقاه يجعله لا يستوعب ما يأتيه من معلومات، أما السرعة في المعلومات فإنها تخلق وضعا من عدم المقدرة على الاستيعاب، بمعنى أوضح أصبحت المعلومات تتسارع نحو المتلقي دون اعطاء الوقـــــت للتأمل والــــتفكير بحيث بــــات من الصعب في كثير من الأحيان ترسخ هذه المعلومات.
وأصبحنا نعيش في عصر نتلقى فيه رموزا وشيفرات غير مفهومة بشكل كبير وعلى المتلقي تفكيكها وتحليلها وكل منا يحللها وفق حاله المعاش ووضعه، وأصبحت المعلومة تعطى للمتلقي دون أن يكون منتظرا لها ولتحليل عناصرها وأصبحت الاشكالية في عصرنا الحالي تقتصر على استقبال المتلقي للمعلومة وتخزينها في الذاكرة دون التأمل والتفكير فيها.
لا تتأمل ولا تفكر.. عندما تعرف أن الماء الذي تشربه ملوث..
لا تتأمل ولا تفكر.. عندما تنقطع عليك الكهرباء...
لا تتأمل ولا تفكر.. عندما تبدأ الامتحانات في منتصف يونيو..
لا تتأمل ولا تفكر.. عندما تتواجد الأسلحة في أروقة التعليم والتربية.
لا تتأمل ولا تفكر.. عندما لا تلقى العلاج..
لا تتأمل ولا تفكر.. عندما لا تجد كل مطلقة وأرملة مأوى لها.....
لا تتأمل ولا تفكر.. عندما تعلم أن الكويت فيها أمية......
لا تتأمل.. لا تفكر.. لا تتلق!
كلمة وما تنرد: الجميع يفكر في تغيير العالم، ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه. (ليو تولستوي)
atach_hoty@hotmail.com