بالأمس كنت أتناقش مع صديق أعده أخا صغيرا لي عن امتحانات الدكتوراه له التي تتبقى لها بضعة أيام لينجزها، وإذ به يخبرني بأنه سيؤجل الامتحانات للعام القادم صراحة فوجئت بقراره هذا، وقبل أن أعرف الأسباب شعرت بصفعة على وجهي من حديثه، لأنني عشت معاناته للوصول إلى تلك الدرجة العلمية، وبكل هدوء سألته: لماذا يا صديقي؟ فأجاب لدي ارتباطات، وانتهت المناقشة على ذلك وذهب كل منا في طريقه.

أخذت أفكر في الأسباب التي دفعته لتأجيل مستقبله العلمي؟ فوجدت أن الأسباب لا تقتصر عليه هو فقط، بل على المجتمع ككل نعم، أصبح المجتمع لا ينظر للعلم ولا العمل المنجز من الفرد، بل أصبح عدد كبير من الناس يقيمون حساباتهم على الكم وليس الكيف، مع العلم بأن الكيف هو الباقي والكم هو الزائل، ليس فقط صديقي هو من أجل مستقبله بل الكثيرون منا أصبحوا يؤجلون أمورا مهمة بسبب الكم، فنجد من يؤجل مستقبله لأنه يخشى على كرسيه ظنا أنه عند ذهابه سيأتي من ينتشل منصبه في غيابه، رغم أن ذلك قد يحدث وهو على الكرسي، لأنه للأسف لم يعمل للكيف، في حين أن كرسيه فارغ في وجوده لا يعرف غير الكم.

أين اينشتاين عندما بحث في الفيزياء وأقام نظرياته وعلمه على قانون الكيف ولم يبحث عن الكم؟ وها نحن إلى الآن نقوم بتدريس ودراسة ما أتى به اينشتاين من نظريات، كما أن ابن سينا باكتشافاته في علوم الطب لم يفكر فيما سيجلبه من مال، بل كان فكره محصورا فيما سيجلبه للبشرية بعلمه، وعلى نفس الطريقة قدم اسحاق نيوتن قانون الانكسار والانحراف للضوء دون أن يأتي بورقة لعمل حساباته كم سيجلب من هذا من مال بل كان يفكر كيف سيجلب العلم للإنسان من خلال الاستفادة من الضوء. وها هو نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وسيد درويش والرحبانية وغيرهم وكل من كان يعمل من أجل الكيف دون النظر للكم ورغم هذا إلى الآن يعيشون معنا ونستفيد من علمهم وفنونهم وثقافتهم. ذلك هو الإنسان الذي تبقى ذكراه بعد وفاته، فالزمن ليس له أمان إلا في الذكرى.

كلمة وما تــنرد: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».

atach_hoty@hotmail.com